أوكرانيا.. قضية الغرب المنسيّة

نسخة للطباعة2017.12.10
ماكسيم إريستافي: محلل سياسي أوكراني وباحث زميل في «مجلس الأطلسي»

ربما كان من العسير شرح وتوصيف المكائد والمؤامرات السياسية التي تتعرض لها أوكرانيا، ولكننا عشنا هذا الأسبوع لحظات نادرة قد تكون كافية لتوضيح الأمور. وكانت القضية الأكثر أهمية على المستوى الوطني هي مشكلة الفساد. ولأول مرة في تاريخ وطننا، أصبحنا شعباً متحرراً يمتلك مؤسسات فاعلة يمكنها أن تكافح هذه المشكلة.

ولكن، في هذا الوقت ذاته، عندما بدأ المسؤولون عن مكافحة الفساد في التصدي للمشكلة، بدا وكأن الرئيس بيترو بوروشينكو يعمل على تقويض جهودهم. وبادر بعض أتباعه في البرلمان إلى إقالة رئيس لجنة مكافحة الفساد، وهم يحضّرون الآن لتحييد وتهميش «المكتب الأوكراني الوطني لمكافحة الفساد» NABU وهو الكيان المستقل الوحيد المتخصص بمكافحة الكسب غير المشروع، الذي اكتسب سمعته الطيبة من خلال توجيه تهم الفساد لسياسيين من ذوي الرتب الرفيعة.

ولم يقتصر هذا التطور الغريب على البرلمان وحده. وخلال الشهر الماضي، قررت وكالة المخابرات الأوكرانية ومكتب المدعي العام، وهما مؤسستان تتلقيان الأوامر من الرئيس مباشرة، الطعن في التحقيقات التي توصل إليها مكتب مكافحة الفساد في كييف، وأمرا بمهاجمة بيوت 12 من كبار موظفيه وأقربائهم. وهذه هي أكبر صدمة تتعرض لها مؤسسات مكافحة الفساد منذ انطلاقها في العمل قبل سنتين. وتم إيقاف معظم التحقيقات التي تقوم بها. وقد وصف أحد كبار الموظفين المتخصصين بمكافحة الفساد ما يحدث بأنه يمثل «خطة تخريب مدبرة».

وتنفذ القوات الأمنية الأوكرانية ومكتب المدعي العام باستخدام سلطات لا حدود لها بالتعاون مع 45 ألفاً من أفراد قوات الشرطة والجيش، حملة ضد وكالات مكافحة الفساد التي تضم 700 موظف أعزل. ويمكنك أن تتخيل لو أن وكالة المخابرات المركزية الأميركية ومكتب المدعي العام للولايات المتحدة تآمرا معاً ضد وحدة مكافحة الفساد التابعة لمكتب التحقيقات الفيدرالي.

وقال ناشطون في كييف إنهم قلقون من وصول الأمور إلى نقطة اللاعودة وخاصة لو لجأت السلطات إلى إلغاء مكتب مكافحة الفساد، أو تجميد كل نشاطاته لأن ذلك سيعني نهاية الديمقراطية والشفافية في أوكرانيا.

وسبق للحكومات الأوروبية أن حوّلت مئات ملايين الدولارات من أموال دافعي الضرائب من أجل تسديد تكاليف الإصلاحات التي تضمن مكافحة الفساد في أوكرانيا. والآن، جاء الوقت المناسب لحماية هذه الاستثمارات. وعلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أن يقولا لبوروشينكو وأصدقائه إن عليهم أن يضعوا حداً للفساد.

وتأتي أهمية هذه الرسالة في هذا الوقت بالذات، في أن بوروشينكو يعمل الآن على تقوية نفوذه في مفاصل الدولة استعداداً لخوض الانتخابات العامة التي ستشهدها أوكرانيا العام المقبل. وبدأ الرئيس ومؤيدوه بالضغط على الصحافة وتحذيرها من مغبّة توجيه الانتقادات له ولحكومته. ويحدث كل هذا في غياب الاحتجاجات الدولية على هذا السلوك. ويرى العديد من المحللين في كييف أن الهجمات الممنهجة التي تتعرض لها المؤسسات القانونية المتخصصة بمكافحة الفساد تمثل هدية قدّمها الرئيس لأصدقائه من رجال الأعمال، وهم الذين سيدعمون حملة إعادة انتخابه لو تأكدوا أنه سيحميهم من تهم الفساد.

ولدى بوروشينكو اعتقاد جازم بأن مؤيديه في واشنطن وبروكسل سيقفون في صفه في كل الأحوال بسبب الحرب المتواصلة التي تشنها المجموعات الانفصالية المدعومة من قبل روسيا في شرق أوكرانيا. وينظر الغرب إلى الرئيس الأوكراني باعتباره يمثل الحصن الحصين ضد المخططات الروسية في أوروبا الشرقية، وهذا ما قدم له كل الأسباب التي تدفعه إلى الاعتقاد بأنه كذلك بالفعل.

ولم أسأل دبلوماسياً غربياً واحداً عن سبب تجاهل الغرب الضغط على الحكومة الأوكرانية إلا وسمعت منه الجواب ذاته: «سيستغل الروس أي انتقاد لإعادة الفوضى إلى أوكرانيا»! وخلال خطاب ألقاه مؤخراً أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، نطق بوروشينكو باسم «روسيا» 12 مرة، ولكنه لم ينطق بكلمة «فساد» إلا مرة واحدة.

وبسبب هذه الأوضاع التي لم تعد تخفى على أحد، أصبح بوروشينكو على خلاف كبير مع قطاعات من شعبه. وقد أظهرت استطلاعات الآراء المحايدة أن الأوكرانيين يعتبرون الفساد هو العدو الأول لهم، وهو يتفوق في خطورته على الأعداء الآخرين الذين يحاربونهم. وبالطبع، نحن قلقون من محاولات روسيا لتدمير بلدنا بعد أن نجح الرئيس بوتين في إيجاد موطئ قدم له في حدودنا الشرقية، إلا أنه ليس هو الذي ينهب الصناديق المالية لبلادنا، ولا هو الذي يترك الحفر العميقة في الطرق التي تعبرها السيارات. وبوتين ليس هو الذي يساعد الفاسدين على تجنب الذهاب إلى السجون، وليس هو الذي يشجع الأغنياء على التهرب من دفع الضرائب المترتبة عليهم.

وكانت المحاولة الفاشلة للقبض على الحاكم السابق لمدينة أوديسا «ميخائيل ساكاشفيلي» هذا الأسبوع، هي أحدث مثال على مدى رغبة بوروشينكو في إسكات أصوات معارضيه. وهو يحاول في الوقت ذاته صرف انتباه الرأي العام الأوكراني والحلفاء الأجانب عن هجومه على مكتب مكافحة الفساد.

ماكسيم إريستافي: محلل سياسي أوكراني وباحث زميل في «مجلس الأطلسي»

نشرته صحيفة الاتحاد الاماراتية بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»

اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)

التصنيفات: 

حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022