ألف ومائة عام على "وصول الإسلام" إلى أوكرانيا

ألف ومائة عام على "وصول الإسلام" إلى أوكرانيا
القاسم: دراسة التاريخ والآثار تثبت أن الإسلام وصل إلى أوكرانيا قبل القرنين الحادي والثاني عشر الميلاديين
نسخة للطباعة2012.04.10

بقلم: د. أمين القاسم - القرم

يرجع المؤرخون الروس والأوكران وصول الإسلام إلى أوكرانيا إلى القرنين الحادي والثاني عشر الميلاديين، ومنهم من يصل به القول إلى القرن الرابع عشر الميلادي، ولكن بتتبع كتب الرحالة المسلمين ومقتنيات المتاحف الروسية والأوكرانية من النقود والمسكوكات القديمة، فإننا نلاحظ من خلال دراستها أن الإسلام وصل إلى هذه الارض قبل هذا التاريخ بكثير.

القبائل التركية (البيتشنيك)

قدمت قبائل البيتشينيك - يطلق عليهم العرب والفرس باجاناك - ذات الجذور التركية من آسيا الوسطى إلى سهول شمال البحر الأسود بين عامي 889 - 890 م بسبب جفاف أراضيهم، حيث كانوا يعتمدون في معيشتهم على رعي الماشية والخيول، وسرعان ماكثر عددهم وتوسعت أراضيهم، فقاموا بمحاربة جيرانهم من الخزر اليهود والبلغار في الشرق والشمال، وعقدوا اتفاقية صلح  مع جيرانهم في الغرب (إمارة كييف - روس)، ثم ساندوا البلغار والروس ضد الروم البيزنطيين، وفي عام 915م ضموا القرم إلى دولتهم.

ويعتقد الباحثون أن بعضهم قد أسلم في آسيا الوسطى قبل مجيئهم، بسبب احتكاكهم وتعاملهم مع العرب والفرس المسلمين.

وبين عامي 1019 - 1024م، أسلمت قبائل (البيتشنيك) التركية، وبداية أسلم حوالي 12 شخصا مع أميرها المدعو "تيراخ" على يد أحد علماء المسلمين الذي للأسف لايعرف اسمه، ويعتبر المؤرخون أن هذه أول مجموعة مقيمة (غير متنقلة) على الأراضي الأوكرانية الحالية تعتنق الإسلام، ثم بعد زمن أسلم عدد أكبر من نفس القبيلة.

دولة البيتشينيك عام 1030م

ثم كان بعد ذلك لقبائل (البيتشنيك) التركية دور في الحياة السياسية في مملكة (كييف - روس)، فقد عاشوا بسلام في كنفها وقاتلوا إلى جانب الروس، وكانوا محاربين أشداء في جيش الأميريين سفياتوبولك وياروسلاف.

واستمر الأمر كذلك حتى عام 1036م عندما قامت قبائل (البيتشنيك) التركية بالهجوم على كييف وخسروا المعركة، ولكن دولتهم استمرت بعدها نصف قرن حاربوا فيها الروم البيزنطيين، وتحالفوا مع السلاجقة الأتراك في آسيا الصغرى، واتفقوا معهم على الهجوم على القسطنطينية عاصمة الروم البيزنطيين من الجنوب حيث السلاجقة، ومن الشمال حيث البيتشنيك، واستمرت المناوشات والحروب مع الروم 40 سنة.

وبدأت دولة البيتشنيك بالضعف والتقلص، ومع نهاية القرن الحادي عشر الميلادي انقسمت قبائلهم إلى ثلاث أقسام: قسم هاجر إلى أراضي المجر واندمج في المجتمع، وقسم بقي في الدولة البيزنطية حتى الفتح العثماني للقسطنطينية، ثم انصهروا بالدولة العثمانية.

والقسم الثالث منهم بقي في سهول الجهة الشرقية من أوكرانيا، وشكلوا قطع عسكرية قاتلت مع الروس، وكانوا يدعون (أصحاب القبعات السود)، ثم ذابوا وانصهروا في المجتمع الأوكراني.

المؤرخون العرب وأوكرانيا

وقد تتبعت كتب المؤرخين المسلمين - ومنهم الذين زاروا أوكرانيا وسكنوا فيها - كالرحالة إبراهيم بن يعقوب الطرطوشي في عام (354هـ - 965م)، الذي قام برحلة طويلة وسط أوروبا وشمالها وشرقها، فزار مايشكل اليوم أجزاء من بولندا والتشيك والسلوفاك وهنغاريا وألمانيا وأوكرانيا، وأكد على وصول الإسلام إلى هذه المنطقة في القرن العاشر الميلادي، وأورد معلومات واسعة عن الأحوال الاجتماعية والسياسية، ومعلومات نادرة عن شكل الملك والحكم والدين والعقائد والأعراق، وعادات الزواج والدفن، وبناء البيوت، والتجارة، والمحاصيل الزراعية، والطقس وتأثيره على السكان وطريقة مقاومتهم له.

و الجغرافي والرحالة أبو عبد الله المقدسي (336هـ، 947م - 380هـ،990م)، والذي ذكر في كتابه "أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم" المؤلف في القرن العاشر الميلادي أن المسلمين كانوا يجلبون كثيرا من السلع من جنوبي روسيا والبلاد الأوربية الشمالية، وعد منها الجلود والشمع والقلانس والعسل والسيوف والدروع، وقال إنهم كانوا يستجلبون الرقيق من الصقالبة - والصقالبة في عرفهم كانت تشمل السلافيين والجرمان وبعض سكان أوروبا - وكان أهم ما يحمله هؤلاء التجار إلى الأقاليم النائية أنواع المنسوجات والتحف والفواكه.

وفي منتصف القرن الحادي عشر الميلادي كتب الجغرافي والمؤرخ أبو عبيد عبد الله بن عبد العزيز البكري القرطبي (توفي في 487هـ، 1094م) في كتابه "المسالك والممالك" عن هذه القبائل التركية القاطنة في جنوب روسيا وأوكرانيا: "هؤلاء الآن مسلمون، ولديهم علماء وفقهاء، وحفاظ للقرآن الكريم".

وخلال رحلة أبو حامد الغرناطي (473 - 565هـ، 1080 ـ 1170م) في سهول أوكرانيا الجنوبية حوالي (530هـ -1135م)، كتب: "رتبت لهؤلاء المسلمين صلاة الجمعة، وعلمتهم الخطبة، فهم لايعرفون صلاة الجمعة، وتركت فيهم بعض أصحابي الذين تعلموا عندي".

وقد عاش الغرناطي بين القبائل (البيتشنيك) التركية أربع سنوات - خلال رحلته في آسيا وأوربا - ووصف حياتهم المتنقلة والحربية وقلة علومهم ومعارفهم الإسلامية.

وهكذا نجد أن الوجود الإسلامي في شرق ووسط وجنوب أوكرانيا ضعف مع نهاية القرن الثاني عشر الميلادي، وعاد للظهور مع الاحتلال المغولي للسهول الجنوبية من أوكرانيا عام 1237م، واحتلال كييف عام 638هـ،1240م، وقدم معهم مسلمو آسيا الوسطى من قبائل الترك وبعض الفرس، ومع إسلام بعض ملوكهم  كالخان الخامس للمغول بركة خان (1209 - 1266م) حفيد جنكيز خان عام 1240م – وقد أرسل مبايعا الخليفة العباسي المستعصم بالله في بغداد - قويت شوكة المسلمين في الأراضي الروسية والأوكرانية.

وفي عهد الخان أوزبيك (1312 - 1341م) - أحد أحفاد جنكيز خان الذي شملت دولته الأجزاء الشرقية والجنوبية من أوكرانيا - تمتع المسلمون بحرية ونشاط كبيرين، واستمر عهده من 1313 حتى 1341م، وهو الذي أعلن الإسلام الدين الرسمي للدولة بعدما كانت تدين بالشامانية في البداية.

ونلحظ أن التاريخ المدون لوصول الإسلام إلى أوكرانيا جاء في القرن العاشر الميلادي، من خلال ما دونه الرحالة العرب المسلمون، ولكن هذا لايعني أن الأراضي الأوكرانية لم تعرف الإسلام قبل هذا التاريخ، بل يمكن القول - بل والجزم - إن شعوب هذا البلد عرفت الإسلام عن طريق التجار والرعاة المتنقلون مع نهاية القرن الثامن وبداية القرن التاسع الميلاديين، وذلك من خلال النقود والمسكوكات والفخاريات التي وجدت على هذه الأرض. والله أعلم...

أوكرانيا برس

اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)

العلامات: 

التعليقات:

(التعليقات تعبر عن آراء كاتبيها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي "أوكرانيا برس")

حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022