الرد الإيراني بإنصاف

نسخة للطباعة2024.04.14
عبد الرحمن الشامي

عصر الاثنين الواقع في بداية شهر نيسان الحالي قامت القوات الإسرائيلية باستهداف مبنى القنصلية الإيرانية, نتيجة القصف كانت تصفية 11 فرداً منهم 8 من الإيرانيين كلهم عسكريين 3 منهم هم من اهم قادة الحرس الثوري الإيراني
من الواضح ان ضربة بهذا الحجم في العرف الدبلوماسي تقتضي من ايران رد بنفس الحجم, خاصة وان القوات الإسرائيلية لطالما استهدفت القوات الإيرانية في سوريا وهذه لم تكن المرة الأولى, وان ايران لطالما توعدت بالرد, لكن هذه المرة كانت الصفعة الدبلوماسية أكبر بكثير من كل مرة.
الرد الإيراني جاء مساء الامس بإطلاق عدد كبير من المسيرات الإيرانية والصواريخ باتجاه إسرائيل, صرحت طهران بانها اصابت أهدافها اما الجانب الإسرائيلي فقد أعلن ان لا خسائر في الأرواح وان الغالبية العظمى من الاجسام الطائرة تم اسقاطها
في الحقيقة ومن باب الانصاف على الرغم من أن الرد أقل ما يقال عنه انه هزيل لو قورن بحجم الضربة الرئيسية خاصة مع ارتباطها بقيمتين مهمتين اولاهما صفعة دبلوماسية باستهداف القنصلية نفسها وهي سابقة خطيرة والقيمة الأخرى هي استهداف قادة من اهم قادة الحرس الثوري الإيراني.
مع هذا ومع عدم تناسب الضربة مع "الرد" لكن لو أخذنا بعين الاعتبار الأسطورة التي نسجت حول إسرائيل وتفوقها العسكري لسنين جنباً الى جنب مع تخاذل دول الجوار عن نصرة غزة يمكن القول بإنصاف ان هذه الضربة كان من الممكن ان تعتبر حدثا مهماً او سابقة.
لكن حقيقة ان المقاومة في فلسطين هي من صعبت المهمة على ايران المتخاذلة ان تقدم رد مقنع للشارع الإيراني بسبب واقع ما بعد احداث السابع من أكتوبر والاشتباكات المباشرة بين اكبر تجمع للقوات الإسرائيلية من جهة مدعومة بدعم عسكري كبير من عدة دول في العالم وبين قوات المقاومة الفلسطينية من جهة أخرى, المشكلة ان الرد الإيراني لو كان جاء قبل هذه العمليات لربما كان سيحمل أهمية او رسالة معينة لكنه وضمن واقع ما بعد 7 أكتوبر يبدو باهت لا لون له ولا طعم لو قورن بكل ما حصل من اشتباكات قامت بها كتائب بتسليح بدائي وما نتج عنها من خسائر عسكرية للطرف الإسرائيلي.

اذا لو قارنا مقدرة الدولة الإيرانية وحجمها ومواردها بتلك الكتائب, فأن حجم "الرد" الإيراني لا يمكن مقارنته من حيث النتائج بأصغر معركة تحصل اليوم في غزة! مما يعني وبالضرورة ان الرد الإيراني في ضوء الواقع اليوم هو رد متواضع وادنى كثيراً من الممكن خاصة وان إسرائيل بالفعل مشغولة في معارك طاحنة داخل القطاع, مما اعطى الإيرانيين فرصة ذهبية ليس فقط للرد على الصفعة المدوية في استهداف القنصلية بل كل الاهانات المتوالية التي طالما وجهتها إسرائيل لإيران اخر عدة سنوات مع احتفاظ الأخيرة ب "حق الرد"

نتائج العملية

قد يقول قائل لكن العملية وان لم تكن حققت هدف عسكري فهي بالتأكيد حملت رسائل كثيرة للعالم وغيرت من المعطيات. صحيح للأسف انها غيرت لكن التغيير كان لمصلحة إسرائيل فهي أولا وبعد اشهر من المعارك في غزة التي بدأ العالم فيها يرى ما يحصل في حق الأطفال والمدنيين من استهداف وتجويع فجأة وبفعل هذه العملية عادت إسرائيل لخانة الضحية المستهدفة والتي "تدافع عن وجودها" حسب السردية الإسرائيلية.
النتيجة الثانية اقتصادية تخص توريد السلاح اذ ان من نتائج الصراع المسلح مع المقاومة في غزة فقد كثير من الزبائن الثقة بقوة القبة الحديدية والأسلحة الدفاعية لقوة الاحتلال , كما سبق واشرنا فان المقاومة استطاعت استغلال نقاط الضعف في السلاح الإسرائيلي وإظهار نقاط ضعفه! بالمقابل حملة طيارات مسيرة اغلبها من ايران "مع ان ايران تسيطر على كل الحدود الشمالية لإسرائيل" تم اسقاطها بشكل شبه كامل مما سيعمل كدعاية جديدة للقبة الحديدية وغيرها من الأسلحة الإسرائيلية الدفاعية وإعادة الطلب عليها.
النتيجة الثالثة وبينما كان العالم يتحدث بقوة عن الضغط على إسرائيل وربما حتى قطع السلاح عنها والضغط حتى باتجاه الاعتراف بدولة فلسطينية فان العملية الإيرانية كما سبق ستعيد تصوير إسرائيل على انها ضحية مستهدفة بحاجة للسلاح والحماية وكذلك يصرف النظر تماما عن حماية المدنيين في غزة لمصلحة "التصعيد" بين إسرائيل وايران

تهويل اعلامي

بالنهاية وبكل اسف ما نراه الان في كثير من وسائل اعلام من تهويل هو لترسيخ فكرة الوهم وبيعه للناس فتقوم قنوات كالجزيرة ببيع ما حصل على انه انتصار كبير لإيران وهو وهم واضح كذلك فان على الطرف الاخر بدأ الاعلام الغربي بالتركيز على ما حصل لتسويق فكرة إسرائيل الدولة المستهدفة المسكينة, حتى الاعلام المتزن اصبح مضطر ان يركز على "التصعيد" في الشرق الأوسط و"الفوضى المحتملة" وكأن الشرق الأوسط ليس حرفيا مصنع عمليات عسكرية تتصارع فيه القوى بشكل يومي على حساب حياة المدنيين ومسرح لتجريب الأسلحة من كل شكل ولون!

لا أمريكا ولا ايران يريدان التصعيد كلاهما غير مستفيد من هذه الحرب! حتى إسرائيل لن تستفيد من أي تصعيد عسكري مع ايران لان إسرائيل تفضل التركيز في غزة لكن نتنياهو شخصيا مستفيد وبقوة من التصعيد وما سنراه في الأيام القادمة سيحسم الامر من هو الاقدر على دفع ارادته, هل هو نتنياهو او بايدن, لان نتنياهو ببساطة يريد ان ينسي الإسرائيليين فشله في غزة عن طريق فرد عضلاته مثلا في جنوب لبنان مما يسمح له بسحب عدد كبير من قواته دون الاعتراف بالهزيمة التي حصلت ويساعده على طلب المزيد من الأسلحة, بالمقابل لا يريد بايدن أي تصعيد غير مفيد فايران لا تشكل خطر على المصالح الأمريكي على الأقل في الوقت الحالي وهو يملك من المشاكل ما يكفي سواء في الغزو الروسي لأوكرانيا او حتى خسائر إسرائيل في غزة, اما ايران التي ربما يظن من يقرأ المقال اني كنت اريد ان أقول انها غير قادرة على استهداف إسرائيل فهي على العكس تماما قادرة بل وبقوة على استهداف إسرائيل لكنها ببساطة غير مهتمة لان أولوياتها تنحصر في حربها ضمن الأراضي العربية لمد نفوذها واحتلال مزيد من الأراضي في سوريا او زيادة نفوذها في العراق ولبنان واليمن ولربما التحضير للتدخل في دول أخرى, بينما خرج الإسرائيليون بالفعل من الملاجئ بعد "الرد" الإيراني فان ملايين السوريين والعراقيين غير قادرين على العودة لبلادهم منذ اكثر من عشر سنين بسبب التدخل الإيراني, اذا ايران قادرة لو ارادت على فعل الكثير, المشكلة لم تكن يوما في القدرة المشكلة كانت وستبقى في الإرادة, لذلك ومع ان من المبكر التوقع الا انني أتوقع حتى لو حصل رد إسرائيلي فهو في الغالب سيكون في الجنوب اللبناني او ربما سوريا وحتى لو حصلت عمليات إسرائيلية فان كل من أمريكا وايران سيحاولان الدفع بإعادة الوضع الا ما كان عليه كي تركز ايران عملياتها العسكرية على الأهداف العسكرية التي تهمها في مشروع استعباد العرب والسيطرة عليهم وعلى مقدراتهم

اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)

المادة أعلاه تعبر عن رأي المصدر، أو الكاتبـ/ـة، أو الكتّاب، ولا تعبر بالضرورة عن رأي "أوكرانيا برس".

العلامات: 

حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022