هل تستخدم أوكرانيا "مأساة" تتار القرم كورقة مساومة للضغط على روسيا؟

طفل تتري يحمل صورة بعض المعتقلين في القرم
نسخة للطباعة2021.05.20

بمناسبة إحياء الذكرى الـ77 لمأساة تهجير تتار القرم، نددت أوكرانيا بـ"قمع روسيا لتتار القرم"، في شبه الجزيرة التي ضمتها موسكو عام 2014، وتم فيها وأد أي شكل من أشكال المعارضة للسلطة الروسية، كما تؤكد السلطات الأوكرانية.

منذ 2014، جرت العادة أن تقيم السلطات الأوكرانية مراسم تخليد ذكرى تهجير تتار القرم، كمأساة عاشوها خلال عمليات ترحيل السكان في عهد ستالين، سنة 1944.

ويعتبر التتار السكان الأصليين لشبه جزيرة القرم، وقد تعرضوا لعمليات تهجير قسرية، بدأت في 18 مايو 1944، باتجاه وسط روسيا، وسيبيريا، ودول آسيا الوسطى الناطقة بالتركية، التي كانت تحت الحكم السوفياتي السابق آنذاك.

كما صودرت منازلهم وأراضيهم في عهد الزعيم السوفياتي جوزيف ستالين، بتهمة "الخيانة" عام 1944، لتوزع على العمال الروس، الذين جُلبوا، وتم توطينهم في شبه الجزيرة.

وفي حين تمكن العديد في نهاية المطاف من العودة إلى وطنهم التاريخي، يظل وضع هذه الأقلية مصدر قلق كبير، لدى كثير من منظمات المجتمع المدني.

فهل تقوم روسيا فعلا بقمع تتار القرم؟ أم أن أوكرانيا تلجأ إلى "التنديد" كورقة سياسية، أملا في أن القرم ستعود إلى أوكرانيا "بدون شك"، كما يعتقد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي؟

مهما يكن الأمر، تنفي روسيا قيامها بأي قمع سياسي، لكنها تعلن بانتظام عن اعتقال "إرهابيين" أو موالين لأوكرانيا في شبه جزيرة القرم، التي ضمتها كرد فعل على ثورة موالية للغرب لدى جارتها.

القرم عائدة

من جهته قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إنه "خلال عقود من الترحيل، لم يشكك تتار القرم يوما في عودتهم إلى القرم". مضيفا: "يجب ألا نشاركهم آلامهم فحسب، بل أن نتعلم الوحدة ذاتها والإيمان الراسخ. الإيمان بأن القرم ستعود إلى أوكرانيا بدون شك".

قمع روسي منهجي

وفي السياق ذاته، تحدث وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا عن "قمع منهجي" تمارسه روسيا ضد تتار القرم، الأقلية التي عارضت الضم.

ودعا إلى اعتبار التهجير "مأساة إبادة جماعية"، مضيفا في الوقت نفسه إلى أنه منذ عام 2014، حظرت موسكو "المجلس"، وهو تجمع تتار القرم، وصنفته كـ"منظمة متطرفة".

وبحسب مصادر تتار القرم، فإنَ حوالي 250 ألف تتاري تم تهجيرهم خلال ثلاثة أيام بواسطة قطارات تستخدم لنقل الحيوانات، وقضى خلال عملية التهجير تلك 46.2 بالمائة منهم، نتيجة المرض والجوع والظروف المعيشية والمعاملة السيئة. 

ولم يشرع تتار القرم في العودة إلى القرم إلا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في 1991.

إطلاق المحتجزين

في يوليو 2020، اعتبر الاتحاد الأوروبي احتجاز السلطات الروسية سبعة أشخاص، معظمهم من تتار القرم، بسبب "انتمائهم السياسي"، معتبرا ما قامت به سلطات موسكو "غير قانوني بموجب القانون الدولي" على حد تعبير بيتر ستانو المتحدث باسم الممثل الأعلى للأمن والسياسة الخارجية، جوزيب بوريل. 

وشدد على أن الاتحاد الأوروبي لا يعترف بـ"إنفاذ التشريع الروسي" في شبه جزيرة القرم ومدينة سيفاستوبول، ويتوقع إطلاق سراح جميع الأوكرانيين المحتجزين بشكل غير قانوني دون تأخير، مطالبا السلطات الروسية بالتوقف عن ممارسة الضغط على تتار القرم.

وذكر بيتر ستانو في وقت سابق أيضا، أن تتار القرم ما زالوا يعانون من "الظلم والتهديد"، حتى الوقت الراهن. 

وقال ستانو: "للأسف ما زال تتار القرم يعانون من الظلم والتهديد إلى يومنا الحالي، وعملية التهجير كانت مأساوية". 

وشدد على أهمية السماح للمنظمات الدولية والمدنية وآليات مراقبة حقوق الإنسان، بدخول شبه جزيرة القرم.

شكوى ضد روسيا

وفي يناير الماضي، وافقت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان على "قبول النظر" في شكوى أوكرانيا ضد مزاعم روسيا بـ"انتهاكات حقوق الإنسان في شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا". 

تتعلق هذه القضية باتهامات أوكرانيا ضد روسيا بـ" ارتكاب انتهاكات منهجية للاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في شبه جزيرة القرم

خلصت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، ومقرها ستراسبورغ، إلى أن قضية أوكرانيا ضد روسيا "مدعومة بأدلة كافية ومقبولة للنظر فيها". 

اضطهاد متزايد

ومنذ الضم، لم يعد يُسمح للتتار بتنظيم تجمعهم الكبير، في 18 مايو، لإحياء ذكرى ترحيل أجدادهم من قبل ستالين. 

في مايو 2016، قال روبرت كولفيل، المتحدث باسم المفوضية السامية لحقوق الإنسان في جنيف، إن "المفوضية وثقت على مدى العامين الماضيين، الاضطهاد المتزايد ضد تتار القرم، حيث تم ترهيب أعضاء الهيئة التمثيلية لمجتمع أقلية تتار القرم وأنصارهم، بالإضافة إلى تعرضهم للمضايقة والسجن غالبا لتهم غامضة".

وأكد أن "المفوضية تشعر بقلق بالغ إزاء الحظر المفروض على الهيئة التمثيلية التي تعرف باسم "المجلس" من قبل "المحكمة العليا" في شبه جزيرة القرم". 

وأضاف أن "تصنيف المجلس على أنه منظمة متطرفة سيترك تتار القرم أكثر عرضة لانتهاكات حقوق الإنسان والعقاب الجماعي".

ومنذ أبريل 2014، واجه تتار القرم التفتيش التعسفي ومصادرة الكتب والاعتقالات. غير أن مزاعم سوء المعاملة هذه لم تنل إلى حد كبير أي اهتمام من قبل سلطات الأمر الواقع، بحسب تقرير للأمم المتحدة، الذي أوضح أنه في 2015 أغلقت السلطات عددا من وسائل الإعلام التابعة لتتار القرم مشددا على أن "السلطات أوقفت أيضا راديو "أوروبا الحرة - راديو ليبرتي"، وموقع أخبار شبه جزيرة القرم".

وذكّرت المفوضية روسيا، التي تمارس سيطرة فعلية على إقليم شبه جزيرة القرم، بواجب ضمان احترام حقوق الأقليات والشعوب الأصلية، وضمان عدم تعرضهم للتمييز والمضايقات. 

كما حثت السلطات على الفور برفع الحظر المفروض على المجلس، وضمان الحفاظ على حرية التعبير والإعلام والتجمع السلمي أو الديني لجميع الناس في شبه جزيرة القرم.

حقوق التراث واللغة

وزير الخارجية الأوكراني ديمترو كوليبا أكد أيضا أن روسيا "تنظم القمع على أساس الدين، وتحرم تتار القرم من حقوقهم التراثية واللغوية، وتوجه إليهم اتهامات جنائية بدون أي أساس".

وبحسب كييف، منعت السلطات الروسية زعماء عديدين للتتار، من دخول القرم، وتقول إن 230 شخصاً تعرضوا، بينهم حوالي 160 من التتار لـ"الاضطهاد السياسي الروسي" في شبه جزيرة القرم منذ عام 2014"

كما أشارت الخارجية الأوكرانية إلى أن أكثر من 50 شخصا، بينهم 25 من التتار، لقوا مصرعهم "إثر أعمال المحتلين الروس"، لا سيما بعد "تعرضهم للتعذيب ووقوع العشرات ضحية للاختفاء القسري"، وفقاً للوزارة.

أمريكا تدين الانتهاكات

وزير الخارجية الأوكراني، دميترو كوليبا، أثنى على ما قاله وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، الذي كتب: "ندين انتهاكات روسيا في شبه جزيرة القرم، ونتذكر في هذا الصدد تاريخ 18 مايو، الذي يصادف الذكرى الـ77 لترحيل ستالين عدد لا يحصى من تتار القرم من شبه الجزيرة؛ ونتطلع إلى المشاركة في قمة "منصة القرم" في أغسطس".

مبادرة "منصة القرم"

وتطمح كييف خلال قمة "منصة القرم" المزمع عقدها في أغسطس المقبل لمناقشة مسألة "عودة" شبه جزيرة القرم الروسية، حيث دعت أوكرانيا دولا متعددة للانضمام إلى المنصة المذكورة، بما فيها تركيا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وكندا والولايات المتحدة.

واعتبر دميترو كوليبا أن ما صرح به وزير الخارجية الأمريكي "ينم عن تضامن واشنطن ودعمها لمبادرة منصة القرم، التي تهدف إلى مواجهة تحديات الاحتلال الروسي المؤقت لشبه الجزيرة"، على حد قوله.

روسيا تنتقد

ولطالما انتقدت موسكو تصريحات كييف حول مبادرتها "لإعادة شبه جزيرة القرم وسيفاستوبول"، المتضمنة للعقوبات وفرض الحصار المائي على شبه الجزيرة، معتبرة أن "كييف ستفشل في استعادة ثقة سكان شبه الجزيرة"، ومشددة في الوقت نفسه على أن مطالب السلطات الأوكرانية لإعادة شبه جزيرة القرم "غير شرعية".

الذكرى 77 للمأساة

وفي مقال نشره موقع وكالة أنباء القرم، بعنوان "لن ننسى الذكرى الـ 77 للإبادة الجماعية لشعب تتار القرم"، ندّد الموقع الإخباري بما أطلق عليه "جرائم يكررها أحفاد النظام الستاليني".

وذكر أنه منذ عام 2014، "احتجز الغزاة الروس أكثر من 100 من تتار القرم بشكل غير قانوني، ولا يزالون خلف القضبان، وأجبر أكثر من 25 ألف من السكان الأصليين على مغادرة منازلهم في القرم المحتل".

كما تم الحديث عن مئات من حالات "الاضطهاد العرقي والطائفي، والترهيب السياسي، والمحاكمات غير القانونية، والسجن لتتار القرم من قبل سلطات الاحتلال الروسي”.

حملة تجنيد

وفي أبريل، قال الاتحاد الأوروبي إن "روسيا تقوم بحملة تجنيد إجباري في شبه جزيرة القرم التي تتمتع بالحكم الذاتي، بما يتنافى مع القانون الدولي". 

وذكر الاتحاد الأوروبي في بيان: "بدأ الاتحاد الروسي حملة تجنيد إجباري أخرى في جمهورية القرم وفي مدينة سيفاستوبول لدفع السكان في شبه الجزيرة إلى الانضمام للقوات المسلحة الروسية". 

ولم تعترف الغالبية العظمى من دول العالم بضم روسيا لشبه جزيرة القرم في عام 2014، ما أدى إلى فرض عقوبات أمريكية وأوروبية على موسكو.

نفي الانتهاكات

ورفضت روسيا باستمرار الاتهامات بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان في شبه جزيرة القرم. وتعارض أيضا تسمية "الضم"، حيث يدافع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن الاستفتاء بحجة "امتثاله لمبدأ تقرير حق المصير للشعوب".

وتراجعت العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وروسيا منذ ضمّت الأخيرة شبه جزيرة القرم في العام 2014، وساءت في المرحلة الأخيرة على خلفية مسائل حقوقية وديمقراطية.

اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)

يورونيوز

حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022