الأمن والنفوذ والأطماع.. توتر متصاعد عنوانه "البحر الأسود" بين روسيا والغرب

نسخة للطباعة2021.10.25
صفوان جولاق

بعد أن ضمت روسيا القرم إلى أراضيها في 2014، تعاظم حجم وجودها العسكري في منطقة شمال البحر الأسود، وقوبل ذلك باتهامات ومخاوف أوكرانية وأوروبية متكررة، ترى أن هذا التواجد يشكل تهديدا حقيقيا لأمنها، ولمصالح الدول الإقليمية والعالمية في حوض البحر.

تبرر روسيا هذا الوجود بالأسباب ذاتها، معتبرة أن "النوايا التوسعية" لحلف شمال الأطلسي "الناتو" (NATO) التوسعية في أراضي أوكرانيا والبحر الأسود تهديد خطير لأمن حدودها وأراضيها، بما في ذلك القرم، الذي تعتبره أوكرانيا ودول الغرب أرضا محتلة.

مناورات كثيفة

وبعد احتلال (أو ضم) القرم، ازدادت حدة التوتر تدريجيا في حوض البحر الأسود على مدار السنوات الماضية، وكان من مظاهر هذا التوتر ازدياد عدد وحجم المناورات العسكرية البحرية، سواء الروسية، أو الأوكرانية الغربية المشتركة.

وصل هذه التوتر أوجه في أبريل الماضي، عندما حشدت روسيا أعدادا ضخمة من القوات والآليات والسفن على حدود أوكرانيا البرية شرقا، والبرية البحرية جنوبا، فضج العالم -آنذاك- بالحديث عن "اجتياح وشيك أو محتمل"، قبل أن تعلن موسكو انتهاء "مناورات واسعة"، وتقلل من مخاوف الغرب.

وعمليا، لم تهدأ مياه البحر منذ ذلك الحين، فقد شهدت مناورات "نسيم البحر 2021" (Sea breeze 2021) الضخمة، ومناورات "دايف 2021" المشتركة بين أوكرانيا ودول الناتو، بمشاركة آلاف الجنود وعشرات السفن؛ بالتزامن مع مناورات بحرية عدة أطلقتها بالمقابل روسيا.

حوادث متكررة

وقد شهدت السنوات والشهور والأسابيع الماضية حوادث متكررة في حوض البحر الأسود وبحر آزوف، كان أبرزها اعتراض روسيا مدمرة "ديفيندر" البريطانية في يونيو الماضي، وكان آخرها "مرافقة" مقاتلتين روسيتين لقاذفتي قنابل أمريكيتين فوق البحر، وفق ما أعلنت وزارة الدفاع الروسية قبل أيام.

وغير بعيد، يذكر العالم الضجة والمخاوف التي أثارها اعتراض روسيا 3 سفن تابعة للقوات الأوكرانية قرب مضيق كيرتش في نوفمبر 2018، وأسر جميع بحارتها البالغ عددهم 25.

بركة روسية

تتهم أوكرانيا وتركيا والولايات المتحدة ودول أوروبا وحلف الناتو، روسيا، بالسعي لتحويل البحر إلى بركة خاصة، لاسيما بعد أن قررت موسكو، في أبريل الماضي، إغلاق أجزاء من مياه وأجواء البحر الأسود أمام حركة السفن والطائرات الأجنبية.

للجزيرة نت، يقول إيليا كوسا، خبير العلاقات الدولية في "المعهد الأوكراني للمستقبل": "تسعى روسيا إلى إقصاء وجود قوات كبيرة للناتو قرب حدودها، وبغض النظر عن تطابق وسائلها مع القوانين الدولية".

ويضيف: "عمليا، يتحول البحر إلى منطقة نفوذ روسية، لأن حجم الأسطول تضاعف منذ 2014، وتم دعمه بغواصات وفرقاطات جديدة، مجهزة بصواريخ بعيدة المدى".

وفي سياق متصل، يرى ميخايلو هونتشار، رئيس "مركز الدراسات العالمية" في أوكرانيا، أن "روسيا تخطط لحصار الساحل الأوكراني، وإخراج الناتو من منطقة البحر الأسود، ورهانها سيكون على أن الحلف لن يسعى لتفاقم الوضع معها، كما كان من قبل"، في إشارة إلى ميول دول غربية نحو إعادة تطبيع العلاقات مع موسكو.

لمن القوة؟

في ظل هذا الواقع، يطرح محللون كثر مقارنات بين حجم القوة الروسية والأطلسية في البحر الأسود، ويكادون يجمعون على أن القوة فيه -حاليا- لروسيا.

وفي هذا الإطار، لا يتفاءل المحلل العسكري الأمريكي، مارك إيبيسكوبوس، بقدرة دول الناتو على مواجهة روسيا في البحر الأسود، في حال اندلاع صدام عسكري مفتوح بين الجانبين في المنطقة.

وكتب في مجلة  The National Interest أن "روسيا عززت أسطولها (وخاصة في قاعدة سيفاستوبل)، بينما قوات الناتو في المنطقة لا تستطيع الاعتماد على دعم محلي واسع النطاق"، في إشارة إلى أن أوكرانيا ورومانيا وجورجيا يمكن أن تتيح لسفن الناتو الوصول إلى موانئها، لكنها تفتقر إلى القدرات البحرية اللازمة لتقديم مساهمات عسكرية كبيرة.

تحالفات "أمن البحر"

ويبدو أن الدول المطلة على البحر الأسود تسعى جاهدة إلى خلق توازن ما، أو قلب معادلة القوة لصالحها في المستقبل، اعتمادا على تحلفات بينية، أو إلى الشراكة مع حلف الناتو.

فأوكرانيا -على سبيل المثال- اتفقت، مع تركيا وجورجيا ومولدوفا، على إجراء تدريبات بحرية مشتركة، وعلى أهمية التعاون لضمان أمن منطقة البحر الأسود.

وأوكرانيا، المعنية أكثر من غيرها بهذا الأمر، تكرر -من حين إلى آخر- دعوة الناتو إلى نشر أوسع لقواته في البحر الأسود، وتعتزم بناء قاعدتين عسكريتين بحريتين، وتحديث وزيادة حجم أسطولها، وتطوير صواريخ "نبتون" (NEPTON) الموجهة لضرب أهداف بحرية.

ولعل آخر حلقة في هذا الإطار كانت زيارة وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، إلى كل من جورجيا وأوكرانيا ورومانيا، قبل حضور قمة وزراء "الناتو" في بروكسل.

كسينيا لوغينوفا كاتبة في صحيفة "إزفيستيا" الروسية، تقول: "أوستن عازم على طمأنة كييف وتبليسي، بأن الطريق إلى الحلف مفتوحة أمامهما، وكذلك توضيح كيف ستبنى العلاقات مع الحلفاء في منطقة البحر الأسود".

وتضيف: "يناقش الناتو باستمرار تعزيز الأمن في منطقة البحر الأسود، ويتم التركيز -بشكل خاص- على تطوير العلاقات مع تبليسي وكييف".

روسيا تقاطع الناتو

وقد تفسر هذه التحالفات والتوجهات قرار موسكو الأخير، بقطع العلاقات مع حلف الناتو بدءا من شهر نوفمبر، وإلى أجل غير مسمى.

حجة قطع العلاقات، بحسب وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، سحب اعتماد ثمانية موظفين روس من البعثة الدائمة لدى الناتو في أوائل أكتوبر؛ لكن لمحللين روس نظرة من زاوية أخرى.

يرى غينادي بيتروف، الكاتب في صحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا" الروسية، أن "تصريح لافروف جاء بالتزامن مع جولة أجراها أوستن في بلدان منطقة البحر الأسود، يراد منها إعادة التأكيد على دعم انضمام أوكرانيا وجورجيا إلى الناتو. وعلى هذه الخلفية، يبدو قطع العلاقات مع الناتو منطقيا بالنسبة للكرملين".

ويعتبر سيرغي فيودوروف، الخبير في "معهد أوروبا" التابع لأكاديمية العلوم الروسية، أن "قطع العلاقات خطوة خطيرة للغاية، بالنظر إلى الصعوبة التي واجهت إنشاء مجلس روسيا والناتو في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين".

ويضيف: "ومع ذلك، يمكن فهم هذه الخطوة، فقد تبين عدم جدوى الاستمرار في "حوار الطرشان"، على حد وصفه.

الحدود و"الغاز"

ورغم أن المخاوف والاتهامات المتبادلة تتمحور حول أمن الحدود والأراضي بشكل رئيس، إلا أن الجانب الاقتصادي حاضر ضمن قائمة العوامل المؤثرة في توترات البحر الأسود أيضا.

للجزيرة نت، يقول المحلل الاقتصادي أندري نوفاك: "أزمة الطاقة دليل على أن روسيا تحتكر سوق الغاز في أوروبا، وتريد لخط إمدادها الجديد "نورد ستريم 2" أن يكون الشريان الحياة الأوحد أوروبيا، بإقصاء دور شبكات النقل الأوكرانية".

ويتابع: "لن يكون لها ذلك إذا ظهر منافسون في هذا السوق المربح، ومنهم تركيا، التي تنقب عن الغاز، وتهتم باستخدامه وتصديره بشكل مستقل في المستقبل؛ أو حتى قطر وغيرها من الدول المنتجة والمصدرة، التي تحتاج إلى طرق تصدير أقصر ومنخفضة التكلفة، لخلق أسعار منافسة".

وأوضح: "سيطرة روسيا على سوريا، وعلى أجزاء واسعة من البحر الاسود، يعني أنها تقطع الطريق الأمثل أمام المصدرين الآخرين، أو قد تعرقله؛ ناهيك عن الفوائد الاقتصادية الجمة، نتيجة السيطرة على حركة الملاحة التجارية في منطقة شمال البحر الأسود".

اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)

المادة أعلاه تعبر عن رأي المصدر، أو الكاتبـ/ـة، أو الكتّاب، ولا تعبر بالضرورة عن رأي "أوكرانيا برس".

الجزيرة

التصنيفات: 

حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022