مفاوضات الضمانات الأمنية.. تصفير أم ترحيل للأزمة بين موسكو والناتو؟

نسخة للطباعة2021.12.24
فهيم الصوراني

لا يبدو استعداد الولايات المتحدة للتفاوض بشأن الضمانات الأمنية مع روسيا كافيا من وجهة نظر الأخيرة، لإحداث اختراق سريع ومؤثر في جدار الأزمة بين الطرفين.

وتخشى روسيا أن تتحول عملية بحث مقترحاتها إلى مفاوضات ماراثونية طويلة، بل إنها تتخوف من فرض واشنطن شروطا استباقية مفاجئة في اللحظات الأخيرة قبل بدء الحوار.

هذا التوجس كان واضحا في تصريح سيرغي ريابكوف، نائب وزير الخارجية، الذي أكد أن بلاده لن تتسامح مع أي شروط مسبقة من الولايات المتحدة مقابل إضفاء الطابع الرسمي على الضمانات الأمنية التي اقترحها الجانب الروسي.

وبحسب ريابكوف، فإن موسكو لن تكون في وارد قبول أية شروط مسبقة للإدارة الأميركية، تتضمن إلزام روسيا "بتنفيذ أجندة" على أراضيها لترضى واشنطن ودول حلف شمال الأطلسي "الناتو" (NATO).

علاوة على ذلك، تصر موسكو على تلقي ضمانات مكتوبة من الحلف، وإضفاء طابع رسمي عليها وبسرعة، تضمن عدم تمدد الناتو نحو الشرق، أي إعادة قوات الحلف إلى حدود عام 1997.

والصيغة الروسية للضمانات المطلوبة تتضمن تعهد الدول الأعضاء في الناتو بالامتناع عن توسع الحلف، ومنها انضمام أوكرانيا، أو دول أخرى إليه، وكذلك عدم نشر أنظمة الأسلحة في أوكرانيا والدول المجاورة الأخرى للاتحاد الروسي.

وكانت موسكو عرضت في وقت سابق على واشنطن والناتو إبرام معاهدات يمنح فيها الطرفان ضمانات للأمن في أوروبا، تشمل كذلك عدم نشر الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى في المديات التي يمكن أن تصل إلى كل منهما.

عدم توسع الناتو

في كل الأحوال، تبقى النقطة الأساسية في هذه الاتفاقيات -بالنسبة لموسكو- هي ضمان عدم انضمام جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابقة إلى الناتو، وحظر تطوير التعاون العسكري الثنائي بين الدول الغربية وجمهوريات ما بعد الاتحاد السوفياتي، والحديث يدور بالدرجة الأولى حول أوكرانيا وجورجيا.

ففي حال ظهرت أنظمة الصواريخ الأميركية والناتو في أوكرانيا -على سبيل المثال- فإن وقت رحلتها إلى موسكو سيتقلص إلى 7-10 دقائق، وفي حال نصبت صواريخ تتجاوز سرعتها سرعة الصوت فإن ذلك يعني أن رحلتها ستستغرق 5 دقائق.

ويرى المحلل السياسي سيرغي بيرسانوف أنه إذا تم تجاهل المخاوف الروسية في حال بدأت المفاوضات، كما هو مقرر في يناير/كانون ثاني المقبل، فإنه لم يبق أمام موسكو سوى الرد بالوسائل المتوفرة لديها.

وأضاف -في حديث للجزيرة نت- أن خيار اللجوء إلى القوة من جانب كلا الطرفين غير مرجح، نظراً لتعارض الخيار العسكري مع مصالحهما، إلا إذا كان الحديث يدور عن "استعراض القوة" والذي أثبتت التجارب الأخيرة أنه لا مفاعيل حقيقية له، سوى الإبقاء على حالة التوتر، وتجميد التسويات السياسية.

التحالف مع الصين

بموازاة ذلك، يعتبر المحلل السياسي أن الكرة أصبحت الآن في ملعب الإدارة الأميركية، والسؤال فيما إذا كان الغرب سيوقع على هذه الوثيقة، على الأقل في هذه المرحلة من تطور الأزمة، أم سيذهب نحو مواصلة المواجهة؟

لكنه قال إنه كلما زاد الضغط الغربي على روسيا، أصبح التحالف "غير الرسمي" القائم بين موسكو وبكين أكثر واقعية.

في المقابل، يميل الكاتب السياسي أندريه أونتيكوف إلى الاعتقاد بأن الغرب لن يتراجع بسهولة وبسرعة عن خطط تغيير الوضع العسكري السياسي في أوروبا لصالحه.

وحديثه للجزيرة نت، رجح الكاتب أن تكون للغرب مطالب مضادة يمكن أن تتضمن -على سبيل المثال- مفاصل في السياسة الداخلية في روسيا.

إنذارات نهائية

واستبعد الكاتب أن تكون موسكو بدأت تتعامل مع الغرب بلهجة "الإنذارات النهائية" مشيرا إلى أن الوضع بات خطيرا للغاية لدرجة تتطلب خطوات حاسمة وسريعة، مع الإصرار على أن تكون المحادثات مع الجانب الأوروبي مباشرة وعلى قاعدة تفهم المصالح المشروعة.

واعتبر أن مهمة الفريق المفاوض الروسي في المحادثات المقررة الشهر المقبل ستكون بإفهام "الأطلسيين" أن حق أي دولة في الانضمام للحلف تبعته عبارة صريحة في الميثاق التأسيسي للحلف، مفادها أنه عند اتخاذ مثل هذا الاختيار، يجب على الدول أن تأخذ في الاعتبار المصالح الأمنية للدول الأخرى، مما يعني، صراحة وبدون تحفظ، مراعاة المصالح الروسية.

وكانت موسكو قدمت قائمة من الضمانات الأمنية التي تسعى إليها لتخفيف التوترات في أوروبا ونزع فتيل الأزمة بشأن أوكرانيا، وهو ما اعتبره الغرب مثيرا للجدل مستبعدا بعض هذه الضمانات.

ونشرت الخارجية الروسية مسودة المعاهدة الخاصة بها المكونة من 8 مواد، بالتزامن مع تمركز القوات بالقرب من الحدود مع أوكرانيا. وهددت حينها بأن تجاهل مصالحها سيؤدي إلى "رد عسكري" شبيه بأزمة الصواريخ الكوبية عام 1962.

اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)

المادة أعلاه تعبر عن رأي المصدر، أو الكاتبـ/ـة، أو الكتّاب، ولا تعبر بالضرورة عن رأي "أوكرانيا برس".

الجزيرة

حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022