لماذا يحارب الروس بعقلية الحرب العالمية الثانية

نسخة للطباعة2024.03.31
عبد الرحمن الشامي

عند السؤال المعتاد من أحد المذيعين المحترمين عن سبب عدم الاستفادة الروسية من الكثرة في العدد والسلاح وعدم الاستفادة من ان المبادرة العسكرية انتقلت لهم خاصة بعد تدمير والسيطرة على بلدة أفديفكا, كان الجواب المعتاد هو الضعف الإداري, لكن حقيقة السؤال نفسه رغم تكراره منذ بداية الحرب, منذ اخبار الرتل الروسي الشهير الذي تم تدميره بشكل كامل على مشارف كييف ومن ثم خسارة الروس المذلة لخاركيف والانسحاب من خيرسون, الا ان الكثير من الأمور تغيرت! لم ينسحب الروس بشكل مذل في الهجوم الاوكراني المضاد الصيف الماضي! خسرت روسيا بعض المواقع لكنها اقل بكثير من المتوقع ومن خلال معارك الخريف والشتاء كما ذكرنا حصلت على افديفكا مما يدل على تبدل ولو نسبي بسيط حصل على الأرض! لكن السؤال يبقى حاضراً وبقوة! بما أن خسائر الجيش الاوكراني في أفديفكا وما حولها كانت بسبب رئيسي هو قلة الذخيرة بين يدي الجيش الأوكراني فالسؤال هو لماذا لم يستطع الروس ترجمة التفوق في العتاد العسكري وربما يالعدد "لو اخذنا بعين الاعتبار القدرة الروسية على تجنيد عدد اكبر بكثير من الجنود من الطرف الأوكراني"
الحقيقة وقبل أن أبدا بمحاولة شخصية لفهم السبب علي أن اعترف بقلة معلوماتي في المجال العسكري وان اختصاصي الشخصي هو أقرب بكثير للطرف الإداري لذلك اعتقد وبكل تأكيد ان هناك عوامل عسكرية عديدة خاصة موضوع الروح القتالية ومعرفة الأرض وغيرها لكن ما اريد التركيز عليه وهو الأمر الذي دفعني سؤال الصحفي المحترم عن أصرار الروس على نفس العقيدة القتالية! لماذا دولة مثل روسيا تملك بدون شك الكثير من العقول غير قادرة على قيادة المعركة بطريقة أكفأ والاستفادة بشكل أكبر من الموارد الروسية لحسم المعارك؟
بدون شك موضوع الفساد الإداري والدكتاتورية هما أهم سببين ربما للفشل الإداري, فالفساد بالضرورة يعني انه ليس الأكثر كفاءة من يصل الى المواقع الإدارية بل ان الموضوع مرتبط بمحسوبيات من ناحية ومفهوم
"الوفاء" او الولاء لضابط معين او جماعة معينة, اما الدكتاتورية التي تزيد من تأثير أهمية الولاء بدل من الكفاءة هي أيضا تؤدي الى غياب المعلومات الصحيحة بسبب ان الافراد مهتمة اكثر بان ترضي القيادات بدل ان تكون اكثر شفافية معها, ناهيك عن غياب اليات القياس للنجاح والفشل في المؤسسات التي بالأصل تعمل لإرضاء القادة بدل ان تعمل لتحقيق أهدافها.
كل ما قيل معروف وقد قيل مرارا وتكراراً في فشل أي منظومة إدارية تعمل بعقلية الاتحاد السوفيتي السابق سواء كانت النظام الروسي او حتى أنظمة عربية وافريقية ولاتينية تعمل بنفس العقلية الخشبية! اذا ما هو الفرق هذه المرة؟
اعتقد شخصيا ان هناك فرقاً أضافياً يجب تسليط الضوء عليه, فعلى الرغم من ان الجيش الإسرائيلي لا يعمل بعقلية سوفيتية الا ان الملاحظ انه يعاني اليوم من نفس المشكلة التي يعاني منها الجيش الروسي وهي مشكلة ترجمة التفوق العسكري الكبير من حيث العتاد الى إنجازات نوعية! وعلى الرغم من ان كلتا التجربتين تملك أسباب عسكرية مشتركة كما قلنا بسبب مشاكل في الروح المعنوية والاعداد للمعركة ناهيك عن المعرفة لأرضية المعركة لكن لفت نظري سبب اخر تجد الإشارة له وهو نفس السبب الذي من اجله نفترض ان الطرفين الروسي والإسرائيلي يفترض ان يملكون العنصر الحاسم في المعركة الا وهو التفوق في العدد والعتاد!
نعم نفس السبب الذي يفترض ان يحسم المعركة يسبب مشكلة إدارية لكلا الطرفين ويشكل عائق غير مباشر ادارياً! اذ يبدو ان كلا من قادة الجيشين اعتاد ان يحارب وهو يملك عنصر الأفضلية لذلك بات يعتمد على هذه الأفضلية في العتاد والقوة كعنصر أساسي لتحقيق النصر, على الطرف الاخر فأننا لو اخذنا الجيش الاوكراني مثلا فهو يقاتل في ظروف اسوء بكثير مما يشكل حافز إضافي لقادة الجيش على التفكير في طرق بديلة للاستفادة من نقاط القوة التي يملكها افراد الجيش الأوكراني ومناطق ضعف الجيش الروسي. بمعنى اخر ان الفارق في العتاد يدفع بالضرورة قادة الجيش الأوكراني للتركيز على التفكير الاستراتيجي والتحليل العميق والنتيجة هي في الغالب عمليات نوعية لتغيير ميزان التفوق! هذا ما رأيناه مثلا في عمليات مثل عمليات كييف وخاركيف وحتى خيرسون وهو بالمناسبة ما غاب لحد ما في عمليات الهجوم المضاد في الصيف بسبب ان تدفق السلاح النوعي لأوكرانيا اعطى الجيش الاوكراني شعور بالقوة لربما كانت سبب إضافي للتركيز على الهجوم القوي بدل من الهجوم النوعي, طبعا دون اهمال ان الروس كانوا يملكون وقت طويل جدا لإعداد دفاعات أرضية هائلة كانت السبب الرئيس لبطأ التحرك الاوكراني على الأرض.
اذا لو نظرنا لخبرة الجيش الروسي الطويلة جدا في الحروب فهي في الغالب تقتصر على جيوش اضعف بكثير او حتى جماعات مقاتلة لا تملك قدرة الجيوش كما هو الحال في أفغانستان والشيشان وجورجيا وسوريا ولربما كانت الجماعات الأكثر قوة هي تلك التي تملك الخبرة النوعية كما كان حال ايغور غيركين الذي شارك في عمليات روسيا في حروب البلقان والذي كان لقيادته تأثير كبير للسيطرة على مناطق في دونتسك عام 2014.
أذا النتيجة المباشرة لامتلاك الروس كمية كبيرة من السلاح تكرر أجيال من القادة العسكريين الذين يركزون على فكرة أنك ان فشلت في تحقيق التقدم العسكري رغم تفوقك في العدد والعتاد فالحل هو مزيد من العدد والعتاد! وهو ما يقود الى عقيدة "وقود المدافع" وهي عقيدة الجيش الروسي التي كانت منذ الحروب العالمية الأولى والثانية والتي تمتد لحد اليوم وهي بالدفع بالمزيد من الجنود الروس الى مطحنة الحرب في حال الفشل العسكري بدل من البحث عن حلول عسكرية بديلة! طبعا لا يعني هذا ان كل القادة الروس يتصرفون بالضرورة دائما بشكل خشبي! لقد رأينا بكل اسف مناورات عسكرية ناجحة من الطرف الروسي المحتل في أفديفكا نفسها وخدع عسكرية استراتيجية كان لها دور كبير في الحسم في معركة أفديفكا كتسلل القوات الروسية مستغلين الانفاق الى الطرف الاخر من المدينة, لكن مثل هذه العمليات بالنادر ما نراها في ارض المعركة بل ان اغلب التكتيكات الروسية هي الاستخدام الرهيب للقوة النارية والدفع بأكبر عدد من الجنود في مطحنة المعركة!
وان كانت التكتيكات الإسرائيلية تختلف بشكل جذري في ما يخص الحرص على جنود الجيش الإسرائيلي لكن الاستخدام الرهيب للقوة النارية امر حاضر وبقوة, لدرجة ان الجيش الإسرائيلي يعتمد بشكل شبه كامل على التسليح الغربي والأمريكي ويكاد يصاب بالشلل العسكري في حال غياب هذا التسليح على الرغم من تفوقه بشكل كبير من ناحية العتاد على خصمه في الميدان

اذا بالنهاية أن الإحساس بامتلاك فارق كبير في القوة ان استمر لفترة طويلة يترجم قصة السباق الشهير بين السلحفاة والأرنب لأن حافز "الضرورة" اقوى بكثير لدى الطرف المدافع خاصة ان كان هو الطرف الأضعف, بينما يغيب هذا الحافز عند الطرف المهاجم وتتحول الثقة الزائدة الى عبئ اداري إضافي يجعل تحرك الجيش الأقوى نظريا ابطأ واقل كفاءة بدل الاعتماد على المناورات والتكتيكات العسكرية.

اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)

المادة أعلاه تعبر عن رأي المصدر، أو الكاتبـ/ـة، أو الكتّاب، ولا تعبر بالضرورة عن رأي "أوكرانيا برس".

العلامات: 

حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022